سيرة الرسول في كتاب بريطاني
في كل صفحة من كتاب روجرسون إعجاب كبير بشخصية النبي الفذة التي يتناولها تناولا واقعيا وتاريخيا
لندن: نامق كامل
كرحالة قديم في شمال أفريقيا سحر المؤلف برنابي روجرسون يوما بحكاية أحد بائعي بطاقات البريد العرب وهو يحدثه عن قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم «أحداث سمعتها وكأنها تتحدث عن يوم أمس»، وبسبب شغفه بهذه الحكاية جلس في اليوم التالي يحكيها لزملائه الرحالة ويسرد لهم ما يعرفه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم. ومنذ تلك اللحظة عزم روجرسون أن يكتب سيرة حياة النبي الكريم وينقلها إلى قراء الإنجليزية.
وكانت أولى الأسئلة التي واجهت المؤلف من زملائه الغربيين والعرب قبل شروعه في تأليف الكتاب هي «هل ترغب في أن تصبح مسلما؟»، و«هل أنت مسلم؟». وببساطة كان يجيب «إنني إلى جانب رواية القصة الجيدة».
وقصة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي قصة جيدة وساحرة ـ يقول روجرسون ـ بغض النظر عما يكون شعور المرء نحو محمد صلى الله عليه وسلم أو الإسلام «كان يتيما، أميا، ترعرع في البادية، ثم مارس التجارة على طرق الجمال التجارية التي كانت تتخلل المنطقة العربية. تحدى قبيلته من أجل دين جديد، أسس لغة عالمية، أوجد قوة لا يمكن وقفها. وبعد مائة عام من موته نشأت أكبر امبراطورية إسلامية. حياة محمد صلى الله عليه وسلم ملحمة دينية كبرى فيها مشاهد الحب والتضحية وعالم الله». ثم يستطرد روجرسون في وصفه شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول «فقط عندما تزاوج أفضل الشخصيات في الحضارة الأوروبية ـ لنقل مثل الاسكندر الأكبر، ديوجينيس وأرسطو أو الامبراطور قسطنطين، سانت باول أو سانت فرنسيس ـ حينئذ يمكنك أن تستوعب قيمة هذا الرجل».
ثم يضيف: وحتى عندما تستعرضه من منظور غير ديني فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يبقى من الرجال الأبطال».
ثم يستعيد روجرسون بشكل فني وبروح روائية الحالة التي كان عليها العالم الإسلامي خلال القرنين السادس والسابع الميلادي من حيث الخلفية الحضارية وهيمنة امبراطوريات ثلاث في ذلك الوقت هي الامبراطورية البيزنطية في الشمال والفارسية الساسانية في الشرق والاثيوبية في الجنوب. وهنا يعيش القارئ سنوات الرسول المبكرة كفتى يتدرب على ركوب الجمال، وبعد ذلك كتاجر ناجح، وقبل بلوغه الأربعين حينما جاءه الوحي في جبل حراء ليقول له «اقرأ» لتبدأ بذلك أولى سور القرآن الكريم. وكانت تلك بداية رسالته وأول إلهاماته التي استمرت حتى وفاته. وفي ما بعد جمعت تلك السور لتؤلف القرآن الكريم الذي أصبح المرجع الديني واللغوي وأساس مجمل الحضارة الإسلامية.
ويرى روجرسون أن قصة حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي واحدة من قصص الرفض والاضطهاد النادرة، فقد طورد وقتل أتباعه وجرت محاولات لقتله هو نفسه فالتجأ إلى الواحة الشمالية يثرب التي تسمى اليوم بالمدينة، وبعد ذلك بدأ المد بالتحول، فقد تحقق الانتصار أخيرا على المكيين بعد حرب دامت ثماني سنوات. وفي وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أي بعد سنتين على ذلك، حرر شبه الجزيرة العربية من المشركين وأفلح في توحيد القبائل العربية تحت عقيدته التوحيدية الجديدة.
ويؤكد روجرسون لقرائه أن محمداً صلى الله عليه وسلم رغم نزول الوحي الإلهي عليه فقد كان يصر على أنه إنسان «ما أنا إلا بشر مثلكم» وهو شيء أساء فهمه الكثير من غير المسلمين، فإلى وقت قصير نسبيا توقف الغرب عن تسمية المسلمين بـ«المحمديين» ومحمد صلى الله عليه وسلم هو، بلا شك، مثال لخيرة الرجال، إضافة إلى رسالته التي أكسبته كل تلك الأهمية في نظر المسلمين وغير المسلمين.
يلاحظ على كل صفحة من صفحات الكتاب إعجاب المؤلف الكبير بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم الفذة التي يتناولها تناولاً واقعياً وتاريخياً من دون النظر إليها كحالة من حالات عبادة الفرد، ويرى أن الإسلام ما هو إلا طريقة حياة: وما ورد في القرآن الكريم من سور وآيات هو قواعد ومبادئ لحياة يومية لتحقيق مجتمع عادل ومنسجم. ويزخر كتاب روجرسون بتفاصيل حياة إسلامية تُخضع هذه المبادئ لتضعها ضمن سياقها التطبيقي العام.
وفي الوقت الذي حالت فيه الدراسات الأكاديمية الغربية السابقة والمتعلقة بسيرة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن تقع في مطب النقاشات الدائرة حول مصادر البحث أو استنباط آراء جديدة لأجل تقويض آراء الجانب المنافس، استطاع المؤلف روجرسون أن يتجاوز هذا المطب، مركزا عوضا عن ذلك على قصة حياة النبي نفسها، محرراً مجرى الأحداث من المعارف التي تسيطر عليها القوالب الأكاديمية. وبهذا يكون الكتاب موجها في الأساس إلى القراء الاعتياديين أكثر منه إلى الأكاديميين أو طلاب الدراسات الجامعية.
* «سيرة حياة الرسول محمد»
* المؤلف:: برنابي روجرسون
* الناشر ليتل براون ـ لندن ـ 2003
في كل صفحة من كتاب روجرسون إعجاب كبير بشخصية النبي الفذة التي يتناولها تناولا واقعيا وتاريخيا
لندن: نامق كامل
كرحالة قديم في شمال أفريقيا سحر المؤلف برنابي روجرسون يوما بحكاية أحد بائعي بطاقات البريد العرب وهو يحدثه عن قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم «أحداث سمعتها وكأنها تتحدث عن يوم أمس»، وبسبب شغفه بهذه الحكاية جلس في اليوم التالي يحكيها لزملائه الرحالة ويسرد لهم ما يعرفه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم. ومنذ تلك اللحظة عزم روجرسون أن يكتب سيرة حياة النبي الكريم وينقلها إلى قراء الإنجليزية.
وكانت أولى الأسئلة التي واجهت المؤلف من زملائه الغربيين والعرب قبل شروعه في تأليف الكتاب هي «هل ترغب في أن تصبح مسلما؟»، و«هل أنت مسلم؟». وببساطة كان يجيب «إنني إلى جانب رواية القصة الجيدة».
وقصة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي قصة جيدة وساحرة ـ يقول روجرسون ـ بغض النظر عما يكون شعور المرء نحو محمد صلى الله عليه وسلم أو الإسلام «كان يتيما، أميا، ترعرع في البادية، ثم مارس التجارة على طرق الجمال التجارية التي كانت تتخلل المنطقة العربية. تحدى قبيلته من أجل دين جديد، أسس لغة عالمية، أوجد قوة لا يمكن وقفها. وبعد مائة عام من موته نشأت أكبر امبراطورية إسلامية. حياة محمد صلى الله عليه وسلم ملحمة دينية كبرى فيها مشاهد الحب والتضحية وعالم الله». ثم يستطرد روجرسون في وصفه شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول «فقط عندما تزاوج أفضل الشخصيات في الحضارة الأوروبية ـ لنقل مثل الاسكندر الأكبر، ديوجينيس وأرسطو أو الامبراطور قسطنطين، سانت باول أو سانت فرنسيس ـ حينئذ يمكنك أن تستوعب قيمة هذا الرجل».
ثم يضيف: وحتى عندما تستعرضه من منظور غير ديني فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يبقى من الرجال الأبطال».
ثم يستعيد روجرسون بشكل فني وبروح روائية الحالة التي كان عليها العالم الإسلامي خلال القرنين السادس والسابع الميلادي من حيث الخلفية الحضارية وهيمنة امبراطوريات ثلاث في ذلك الوقت هي الامبراطورية البيزنطية في الشمال والفارسية الساسانية في الشرق والاثيوبية في الجنوب. وهنا يعيش القارئ سنوات الرسول المبكرة كفتى يتدرب على ركوب الجمال، وبعد ذلك كتاجر ناجح، وقبل بلوغه الأربعين حينما جاءه الوحي في جبل حراء ليقول له «اقرأ» لتبدأ بذلك أولى سور القرآن الكريم. وكانت تلك بداية رسالته وأول إلهاماته التي استمرت حتى وفاته. وفي ما بعد جمعت تلك السور لتؤلف القرآن الكريم الذي أصبح المرجع الديني واللغوي وأساس مجمل الحضارة الإسلامية.
ويرى روجرسون أن قصة حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي واحدة من قصص الرفض والاضطهاد النادرة، فقد طورد وقتل أتباعه وجرت محاولات لقتله هو نفسه فالتجأ إلى الواحة الشمالية يثرب التي تسمى اليوم بالمدينة، وبعد ذلك بدأ المد بالتحول، فقد تحقق الانتصار أخيرا على المكيين بعد حرب دامت ثماني سنوات. وفي وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أي بعد سنتين على ذلك، حرر شبه الجزيرة العربية من المشركين وأفلح في توحيد القبائل العربية تحت عقيدته التوحيدية الجديدة.
ويؤكد روجرسون لقرائه أن محمداً صلى الله عليه وسلم رغم نزول الوحي الإلهي عليه فقد كان يصر على أنه إنسان «ما أنا إلا بشر مثلكم» وهو شيء أساء فهمه الكثير من غير المسلمين، فإلى وقت قصير نسبيا توقف الغرب عن تسمية المسلمين بـ«المحمديين» ومحمد صلى الله عليه وسلم هو، بلا شك، مثال لخيرة الرجال، إضافة إلى رسالته التي أكسبته كل تلك الأهمية في نظر المسلمين وغير المسلمين.
يلاحظ على كل صفحة من صفحات الكتاب إعجاب المؤلف الكبير بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم الفذة التي يتناولها تناولاً واقعياً وتاريخياً من دون النظر إليها كحالة من حالات عبادة الفرد، ويرى أن الإسلام ما هو إلا طريقة حياة: وما ورد في القرآن الكريم من سور وآيات هو قواعد ومبادئ لحياة يومية لتحقيق مجتمع عادل ومنسجم. ويزخر كتاب روجرسون بتفاصيل حياة إسلامية تُخضع هذه المبادئ لتضعها ضمن سياقها التطبيقي العام.
وفي الوقت الذي حالت فيه الدراسات الأكاديمية الغربية السابقة والمتعلقة بسيرة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن تقع في مطب النقاشات الدائرة حول مصادر البحث أو استنباط آراء جديدة لأجل تقويض آراء الجانب المنافس، استطاع المؤلف روجرسون أن يتجاوز هذا المطب، مركزا عوضا عن ذلك على قصة حياة النبي نفسها، محرراً مجرى الأحداث من المعارف التي تسيطر عليها القوالب الأكاديمية. وبهذا يكون الكتاب موجها في الأساس إلى القراء الاعتياديين أكثر منه إلى الأكاديميين أو طلاب الدراسات الجامعية.
* «سيرة حياة الرسول محمد»
* المؤلف:: برنابي روجرسون
* الناشر ليتل براون ـ لندن ـ 2003